فوزي غزلان
عدد الرسائل : 298 العمر : 68 Localisation : سوريا - درعا Emploi : ........ ومصحح لغوي تاريخ التسجيل : 02/02/2007
| موضوع: الخائفون من النص الافتراضي السبت أبريل 28, 2007 4:00 pm | |
| الخائفون من النص الافتراضي
دخل النص التفاعلي ساحة الإبداع أواسط الثمانينات من القرن الماضي مع رواية “قصة الظهيرة” لميشيل جويس. ظهر هذا النص الجديد على حين غفلة من الزمن العربي، ليستقر على الشاشة الزرقاء كواحدة من المفردات التي أصبحت تؤرق العديد من النقاد الذين تعلموا وتعودوا أن يكون كاتب النص واحدا لا مثيل له في الكتابة، وقارئ النص خاشعا مستسلما أمام نص لا اختيار له في أخذه أو تركه فضلا عن تغييره، نص ينزل على القارئ كأنه القدر، لتتلقفه الشللية النقدية بعد ذلك بعين الرضى فيصعد إلى أعلى عليين إذا كان الكاتب من الشلة، أو ينزل إلى أسفل سافلين إذا كان الكاتب من خارج الشلة أو ممن وضعت أسماؤهم في قائمة المغضوب عليهم من طرف أصحاب الجلالة النقاد. الثورة التي أحدثها النص الافتراضي في هذه المفاهيم كلها، كانت محور مناقشات الورشة الإبداعية العاشرة لجائزة الشارقة للإبداع العربي الإصدار الأول، أولا لأن كاتب هذا النص لا يفرضه على القارئ بل يقترحه فحسب، وثانيا لأنه يضعنا أمام قارئ جديد لم يعد يتلقى النص كأنه قدر محتوم لا فكاك منه، بل لديه الحق والقدرة على إبداء رأيه في ما يقرأه سواء من حيث البناء أوملامح الشخصيات أو الأحداث. النص التفاعلي يكتبه أكثر من شخص، وينقده أكثر من شخص، وهؤلاء لا يتعارفون في الغالب ولا تجمع بينهم المصالح، بحيث تعاد كتابة النص أكثر من مرة من خلال التراكم القرائي والنقدي الذي تحدثه الحالة الشبكية التفاعلية على مستوى شريحة واسعة وغير متجانسة من القراء ومن مختلف البيئات، كل واحد من هؤلاء القراء الافتراضيين يبدي رأيه بكل حرية ويعيد كتابة النص كما يراه هو انطلاقا من بيئته وواقعه ومفرداته الثقافية. فهل نحن في الطريق إلى تجسيد مقولة قديمة جديدة مفادها أن البشرية في النهاية لم تكتب سوى نص واحد؟ النص الجديد نفذ ليس من دائرتي النقد التقليدي ذي المعايير المتكلسة، والشللية الضيقة فحسب، بل إنه أفلت أيضا من دائرة الرقابة على الحرية الإبداعية، فالمبدع الجديد خرج من ذهنه ذاك الرقيب الذي لطالما كان قابعا داخله منذ زمن بعيد، يحسب عليه جمله وعباراته، حركات وسكنات أبطاله، وحتى لحظاتهم الحميمية. ذاك الرقيب لم يعد له من وجود في زمن النص الافتراضي. ففي الشبكة كل ما يُعرف يمكن أن يقال ويكتب، وكل ما يمكن حدوثه في ذهن المبدع، يمكن حدوثه أيضا في النص دون حسيب أو رقيب. أما مسألة هل هذا الواقع الإبداعي الجديد، خير أم شر؟ فإننا نترك الجواب عنها لفلاسفة النقد وضباط الرقابة الذين تعودوا ألا تقال كلمة ولا تكتب جملة ولا تتحرك شخصية ولا ينغلق باب على حبيبين داخل النص، إلا بإذنهم. لكن هذه السلطات النقدية والأمنية أصبحت اليوم في حكم العدم، لا حول لها ولا قوة. وباعتبار أن أغلب ما يؤثث الشبكة الإلكترونية هو من إنتاج الجيل الجديد من الشباب القلق الرافض، ذي الخصائص الاقتحامية والذي لا يعترف بالمحظورات وقدسية الأشكال والمضامين التقليدية، فإن السؤال يطرح نفسه: هل نتجه نحو حالة إبداعية كونية تنفجر فيها جميع القيم والمعايير والمدارس النقدية التقليدية لتظهر على أنقاضها رؤى ومفردات جديدة أكثر إيمانا بحرية الإبداع؟
سعيد جاب الخير
saidaho@yahoo.com عن الخليج الإماراتية. | |
|