عاد الليل و هو لم يعد.فالوقت ما عاد مناسبا للرجوع و السماء ما عادت تتسع لمزيد من النجوم.شمس واحدة تكفي وهو إذ اتحد مع شعاع شمسه تقدم منسدل المشاعر نحو الغرق و عدّل طقوس الليل على ذبذبات دهشة لاهثة مزمجرة جنونه المفاجئ . حين أخذه طوفان الفرح عند أقدام الانتحار آثر أن يقتسم أنفاسه المنزلقة مع ذهوله المترع و استمر يراها هناك عند الأفق من حيث تأتي النوارس جارات القمر ...طوبى لكِ من رجفة الصحو الأخير يعتليني الموج أو أعتليه ،طوبى لكِ من لفحة سعير تُعِدُّ من الفرح قدح انتشاء يجتاحني
لوّن صوته بالبكاء و صَمَتَ ،قالت هي و هو لم يعد يقدر أن يقول ، مادام في الكون جمر سافِرُ الوهج فلْيحتسِ البحرَ لعله يطفئ هاجرة القلق و يرسم وجها للفراغ ، امتد نحو سواحل الغرق بينما تجلس هي ممتدة البصر تشيّع مع جنونه جنائز الصمت و تقترب من الميناء في شبه رجاء ، غاب القمر و امتدت الشمس على أرصفة السماء مسدلة آخر ستائر البوح ...عندها التقط النادل الأوراق المبعثرة و اقتفى الخطوات المشرئبة نحو باب الخروج و راح يجمع الكلمات المتناثرة على أرضية الحانة الموحلة ثم يهرع إلى البار المهجور من زمن محتضنا تلك المخطوطات المشرفة على المزق ، يرصفها كأنما يَعُدُّ حصيلة الليلة و إذ يعلو وجهه المضاء بفانوس أحمر محتضر شيءٌ من الارتياح بعدما نط بصره على جسد الصفحات المستسلمة تنزلق يده إلى الدرج السفلي فتُخرج رزمة من الأوراق المجعدة في حركة طقوسية يرص عليها الأوراق الجديدة قطعا من مربكة كبيرة ترفض أن تكتمل ... غدا يعود و معه من هذا الخدر ...