القصة:
الصندوق
قصة قصيرة جدا
ابراهيم درغوثي / تونس
طوابير طويلة واقفة أمام الباب منذ الصباح الباكر تتدافع بالمرافق والمناكب و يتصايح أصحابها و كأنهم في يوم الحشر.
ثم يدخلون الواحد وراء الآخر إلى قاعة فسيحة ملأى بالرجال المهمين. يختارون أوراقا حمراء وصفراء وبيضاء وخضراء وزرقاء وبرتقالية وبنفسجية ووردية ويمرون من أمام صندوق من البلور الشفاف، فيضعون الأوراق في قلبه ويخرجون من باب القاعة وهم ينظرون إلى القفل الأصفر الذي يغلق فم الصندوق على قوس قزح.
في المساء يرفع الصندوق كالعريس على الأكتاف ، ويفتح القفل لعد الأوراق .
والغريب في الأمر أن الرجال المهمين المكلفين بفرز الأوراق لا تتعبهم العملية ، فينجزون المهمة بيسر وسرعة لأن قوس قزح صار ذا لون واحد !!! لون رمادي كئيب ...
القراءة:
القصة القصيرة جداً، أو ما قد يسمى بالومضة، أو الكبسولة، أو المضغوطة. إلخ..
هي شكل أنجزه مفهوم الوقت ( الحضاري! ) ربما. لكنه يعوّض ذلك الضيق باتساعٍ أكبر في التكثيف وفي الدلالة وعمق الحالة، علماً بأنه حافظ على كل مقومات القصّ من حدث وشخوص و ( زمكان ) إلخ.... فاعتمد على الشعر بشكل أو بآخر فيما خصّ التكثيف والصورة والعمق المنفتح على الفضاء....
وما رأيته هنا أنّ الشكل الكلاسي مازال قائماً...... ولهذا لم تَنُب الفكرة وهي فكرة الحالة عن سمات القصّ التي ذكرت آنفاً. فبدت هي السيد مما دعا إلى انفلات باقي العناصر الأخرى فغاب الحدثُ الأساس، وأصبح الزمكان بلا توظيف. كذلك الشخوص التي لم تساهم في رسم الحدث وتفاعلاته....
لم يتبرّر لنا بقاؤها بلا تعب. إذ كان المبرر غير مقنع بتاتاً. بينما تقد تكون الحال بدهية لو خصّت متنفّذي السلطة بمساحتها الضيقة. حيث أنهم ليسوا أكثر من موظفين منتفعين/ هنا أو في الأحوال الأخرى. لهذا جاءت النتيجة أو الختم خارج السياق المنطقي ( من حيث الطرح أدبياً )، فبدت منقطعة عن السياق مبتورة. وبالتالي لم تكن فاعلة في عملية النسيج/ فلا الحبكة ساهمت إليها أو خدمتها، ولا هي خدمت لا الحبكة ولا عنصر الإدهاش والاستخلاص. وهنا لا بدّ أن ننظر إلى العناصر مجتمعة من حيث تفاعلاتها وعلائقها، فنجد ضعفاً جلياً في تلك العناصر........
لم تنقذ اللغةُ شيئاً ولم تساهم في وظيفتها كأداة. كذلك أسلوب تركيب الجمل في النصّ، الذي لم ينفتح على دلالات تؤسس لنسيج متين.
وهنا أرجو أن يتسع لي صدرُ الزميل القاصّ، مع خالص ودي وتقديري واحترامي.