[ أنا عبد الوهاب الملوح وقعت بين يدي هذه الرسالة وبعد أن قرأتها مرات عديدة خمنت أنها مرسلة إلى السيدة الجليلة الرائعة مثل الانتحار تجدون من أسفل توقيع صاحبها]
الْمَسَاءُ عَطِرٌ ؛ الْمَطَرُ رَذَاذٌ دَافِيءٌ وَالسَّماَءُ تَلْتَحِفُ غُيُومًا نِيليِّةً شَفِيفَةً.
كُنْتُ أَمَامَ الْبَحْرِ ؛ سَتَائِرُ الضَبَابِ وَهْيَ تَهْبِطُ بِكَثَافَةٍ شَدِيدَةٍ تُشَكِّلُ أَطْيَافًا تَتَزَحْلَقُ عَلَى ظَهْرِ الْمَوْجِ تَعْلُو وَتَهْبِطُ ؛تَتَرَاقَصُ مُتَّخِذَةً فِي كُلِّ مَرَّةٍ شَكْلاً جَدِيدًا ؛اِقْتَرَبْتُ أَكْثَرَ مِنْ حَافَّةِ الْمَاءِ نَحْوَ الأَزْرَقِ النِّيلي لأَرَى هَمَسَاتِ هَذهِ الأَطْيَافِ تَوقَّفْتُ وَقَدْ بَدَا لِي إِنّ أَصْوَاتًا خَافِتَةً تَتَصَادَى فِي الأَمَامِ وَانْدَفَعَتْ قَدَمَايَ تَغُوص فِي الرَّمْلِ تُنَشِّفُ زَبَدَ الْمَوجِ .
الْمَاءُ يَلْطُمُ رُوحِي وَيُرَوِّي مَشَاعِر خِلْتُ مِنْ زَمَنٍ أَنَّهَا تَيَبَّسَتْ وَصَارَتْ يَبَابَ أَفْعَمْتُ رِئَتَيَّ بِهَوَاء الْبَحْرِ الْبَارِدِ النَّدِيِّ وَوَجَدْتُنِي فَجْأَةً مُفْعَمًا بِالْحَيَويةِ وَقَدْتَدَاخَلَ مَشْهَدُ هَذه الأَطْيَافِ بِمَا كُنْتُ قَدْ قَرَأْتُهُ مِنْ تَجَلّْيَاتِكِ مُنْذُ حِينٍ وَمَا هَزَّنِي فِيهَا مِنْ صُوَرٍ أَوْقَدَتِ الذَهْشَةُ فِي رُوحي الْكَلِيلَةِ ؛ أَلْفَيْتُ نَفْسِي عُنْصُرًا حَيَويًا مِنْ عَنَاصِر تِلْكَ الاقْتِنَاصَاتِ الضَوئِيَّةِ وَمَا احْتَوَتْهُ مِنْ جُمُوحٍ فِي التَخْييلِ جَنَّحَ مَعَهُ خَيَالي وأترعت بِهِ أَحْلاَمِي فَأَدْرَكْتُ كَمْ هُوَ جَمِيلٌ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ تَجْسِيدًا لأَحْلاَمِهِ وَأَحْلاَمِ الآَخَرِينَ .تَأَكَّدتُ أَنَّنِي أَحْيَا لَحْظَةً مِنْ بَهَاءٍ لاَمَثِيلَ لَهَا وَعَادَتْ كَلٍمَاتُكِ تُغَاويني وَلَكَمْ لَهَوْتُ مَعَهَا عَلى حَافَّةٍ الْبَحْرِ أَتَمَلاَّهَا ؛أَجُوسُ خِلالَها مُرْتَشِفًا كُلَّ ٌَقطْرَةٍ مِنْ قَطَرَاتِ الجَمَالِ فِيهَا ؛غَيْرُ مُبَالٍ بِمَا يَفْعَلُهُ فِيَّ دَفْقُ الْحُرُوفِ وَهْيَ تَتَدَافَعُ ثَمِلَةً ؛ تتواثب؛ تَنْسَابُ سَائِلَةًتُرَوِّي الْبَيَاضَ ..الْبَيَاضُ عَطَشٌ طَاعِنٌ وَجَفَافٌ مُبِيدٌ كَفَنٌ هَائِلٌ لِذَاتِهِ والْحُرُوفُ حَفْرٌ فِيه ؛ حُرُوفُكِ يَا صَاحِبَةَ التَجَلْيَاتِ والْمَقَامَاتِ دَفَقَاتُ مِنْ مَاءٍ وَرَعْدٍ ؛يُشْرِقُ مِنْ هُبُبِهَا الْمُفْتِنِ الْجَلاَلُ الْكَامِنُ فِي أَعْمَاقِ الْبَيَاضِ فِي خَبَايَا الْغِيَابِ والسُّكُوتِ ؛ البَيَاضُ فِتْنَةٌ في حَالَة كُمُونٍ مَا أَنْ يَغْزُوهَا الْحَرْفُ حَتَّى تَشْتَعِلَ ؛ تَعْتِقُ أَسْرَابَ خُلَّبِهَا وَتُطْلِقُ غِزْلاَنَ غِوَايَتِها ؛حَرْفُكِ لُغَةٌ طُقُوسِيَّةٌ تُورِثُ فِي الرُّوحِ إِرَادَةَ الانْعِتَاقِ ؛هَكَذأ وَجَدْتُنِي أَلِجُ مَقَامَاتِ كِتَابَتك وَأَرْقَى في وَلَه مَرَاتِبَهَا الْجَلِيلَةَ مُنْدَفِعًا بِقُوَّةٍ مُتْرَعَةٍ بِالْعَافيةِ ..عَافِيَةٌ مُتَأَلِّقَةٌ لاَتُنَاسِبُ أَبَدًا عُمْرِيَ المَطْعُونَ بِالتَّعَبِ والأَسَى وَشَرَعْتُ فِي حُبِّ الْحَيَاةِ لَكَأَنِّي آَدَمُ وَقَدْ نَزَل للتَّوِّ إٍلى الأَرْضِ نَاجِيًا مِنْ مَلاَل الجَنَّةِ
الذاهب في الريح