إلى: محمد فاهي .. قريبا من بداوتي
تجهم وجهه المرأة الأربعيينة وطلبت من محدثها أن يقوم من أمامها .. ماسكة (بلغة)ها ملوحة بها في الهواء في حنق .. وهو يسألها - الابن الشاب - إن كانت تنجب ...
تأففوا من مشقة الطريق والصهد في هذه القرية النائية البعيدة ... التي جاؤوها باحثين عن .. زوجة لأبيهم .
همس مرافقهم في أذن أحد أبنائه باسما : لازلت عذراء وتتصرف بغرابة كلما سئلت – بحسن نية - عن أبنائها ... وهي الوحيدة في كوخها . لكن أخاك يتصرف دائما بغباء !
في قرارته لعن " لعميم" أبناءه الذين يرفضون أن يتزوج امرأة أصغر منه سنا ... وهو في سن الخمسين .
يتغاضون عنه وهو يتطوح من فوق دراجته المتهالكة في الطريق إلى المدينة .. كل أهالي القرية يعرفون أين يقضي نهاره .. صادف الأطفال الرعاة في طريقه .. و علق أحدهم ضاحكا : لعميم غادي لدار القوادة ... كيف كل جمعة !
****
- بانت سعاد فقلبي اليوم متبول –
أتأمل الموظفة الشابة التي تتنقل في رشاقة بين المكاتب مثل فراشة في حديقة .. وأستعذب لباقتها اللا متناهية في الرد على المكالمات الواردة كما يليق بموظفة في مؤسسة بنكية ..
الفتاة المحجبة الجالسة قبالتي تستفسرها عن الكتابة التي لم تستطع أن تتهجاها بسبب الخط غير الواضح ..
بحدة لطيفة ترد:
- ذاك شأننا ولا يمكنك التدخل فيه وقد طلبت منك أن تحضري البارحة ... يامادام .
ترد بنبرة ممتعضة وبنفس الهدوء:
- آنسة ...
وتفشل دبلوماسية ليلى – الموظفة - في التسترعلى حنقها الداخلي ..
ترد باللغة الفرنسية :مدام هي من باب الاحترام ...وأنا لا أقرأ على الجباه هذه آنسة وهذه متزوجة وتلك مطلقة ...
ودون أن ترفع رأسها عن الأوراق ... تسألها :
- خوك باقي خدام ..
- لا ..
ترد الفتاة المحجبة في لا مبالاة .
وهي غارقة في الكتابة :
- قولي له .. يدوز لعندي ....
لا رد
تصمت ...
وتبخر ذلك الفضول وقد خمنت سبب هذه الحدة المفاجئة ...
هذه الحدة التي أتوهم أنها لا تليق بالمرأة ككائن ناعم ...!!
وأغرق في صمت معطر بالذكريات ..
أسمع صوتها الشجي يتردد في أعماقي :"حتى لو افترقنا ....ستظل بيننا السلام" .
تذكرت آخر مرة التقيتها بعد غياب ما يقارب سنتين ...
مروري من أمام بيتهم .. لم يكن بالصدفة .. بل وجدتني مدفوعا إلى تشييع جنازة حبنا ....
فألمح ابن أخيها ... الذي كان يتعلق بي بصوته الملائكي مناديا .. مادا إلي يديه : صاحبي !!
عينا الصغير لا زالتا تتابعاني وأنا كالصنم ... أنظر إليها .. وأحتقرني ... "حتى مجرد التفاتة ماعدت أستحقها منك . يا حزن قلبي ! " .
أتردد ليلتها على كل الأماكن التي شهدت قصة حبنا ..
و أذرف دمعا على قبر ذكرياتنا حين أبتعد .. وصوتها يركل ذاكرتي ذات لقاء بعينين باسمتين ": أنا كون نصيب ما نتفرقوش" !!