دعاه للتسجيل بذاك المنتدى ، راح يمدح له كتّابه معتبرهم نخبة الأقلام وصفوة العقول المفكرة ، وعده لن يندم إن صار في صفهم ، راح يشرح سياسة المنتدى والحرية المطلقة للفكر فالاختلاف هناك لا يفسد ودا ولا يخدش حياءا، ولا يكتم صوتا ولا يكسّر قلما ، كانا يتحدثان عن مدونات خاصة من خلالها يتنفس الكاتب ليتعدى الحواجز والعقبات الحائلة بينه وبين إدراك الرغبة في التعبير وممارسة حق الاشتراك في الحياة بكل أوجاعها وفواجعها ، كان يُمَنِيه بحياة أفضل، وبغدٍ مشرقٍ يأتي على غيمة عامرة تمطر خيرا وبفجر يحمل سلاّت ذهبية وسبائك التفاؤل على صينيات فضية ، حِليَةُ المستقبل ، كان يُمنيه بالأيام الحلوة التي تتجمع في عقد يزّين صدر أيامهم القادمة ، المجهول، الغيب لا يعلمه إلا الله لكنه متفائل ، وآمل في بهاريج الحياة ، لم يكن ليرد له ذلك الطلب وهو يعرفه حسّاس إلى درجة لا يتصورها القارئ ، فقد لازمه حتى قرأه وعرفه ككتاب ، وهو من عادته لا يحب أن يسبـب الإحـراج لأي كـان فـكيف إن كـان صديـقـا يحـترمـه ويقاسمه هموم دودة العقل ، سجل على أمل إيجاد فتحة للتنفس ، باحثا عن نوافذ تحفـّزه عـلى الاطـلاع أكـثر ، يـطل من خلالها على عالم جـديـد مـن الكتـّاب فنوافـذه من زمـن كـانت ولازالت مفتوحة ، ليـس له ما يخـفيه ولا الهشيم يسكن جوفه ليخاف من اللاعب بالكبريت ، عذرا على مقاطعتك أيها القارئ يا صديقي لكن الأصابع الحاملة للقلم عادة لا تحمل أعواد الثقاب تلك حكمة الأحرار ، وياما من أصابع حملت القلم وحملت الديناميت والريمو كنترول، تلك الأنامل تعرف أن الكلاب تعاف لحسها ؟ المهم أكملك القصة أيها القارئ يا عزيزي : راح يبحث عن تلك الأسماء اللافتة للنظر وجد منها الكثير، سلّة من كتــّاب منتقون بعناية ، وجد في هذه الأسماء التي لا تتغير ويتغير أصحابها في الصباح كما المساء ، تناغما و تآلفا أو كلما أطـّلع على مقال لأحدهم إلا وكانت الردود متشابهة مدح وثناء وقُبَلٌ وأزهار و تحايا ، أيكون مثلهم أم يلتزم الصمت؟ الأولى تسلبه حريته وتلبسه الشائع، والثانية تجعله تابعا متواطئا ، فكر في كتابة الوجهة الأخرى والرأي المخالف، أن يسير في الاتجاه المعاكس يأخذ حرصه على سلامة نفسه أو يغادر دون ضجة، بمجرد دخوله أنزل مقالا واعتقد فيه أفكارا ومعاني تعالج قضايا الراهن ، أحاط المقال بشواهد لكتّاب مظلومين غادروا حياة الذنوب لعلها تقيه الأواقي، دخل المنتدى ذاك اليوم، وأجده يلقى ردودا كثيرة ، فيها المبارك والمؤيد وفيها المعارض بدون فهم ، أدري يا قارئي أن الحياة قائمة على التناقض والتنافر ، أخرجت له الشاشة تنبيها لرسالة ، انتقل لقسم الرسائل الخاصة فتح الرسالة بسرعة فائقة، قد يكون المقال محل إعجاب مدير الجريدة والمشرف على المنتدى، أو قد تكون الرسالة ترحيبا من أحد الكتاب البارزين المرموقين أو قد تكون رسالة توجيهية كما العادة، راح يفكر في هذه الأسئلة وهو يفتح بريد الوارد، بدأ قراءة الرسالة ، شعر بضيق في صدره وغم اعتصره وخطابا يصير له وجه الملك كظيم ، أيرد عليه؟ فكر مليا وأطال النظر في تلك الجمل وصل الأمر للحد الذي لايطاق، قال لنفسه لن يكون الأمر مخالفا هنا عن هناك ، لأخرج كريما، خيرا لي، أيها القارئ أعتذر على مقاطعتك القراءة للمرة الثانية لكن الرسالة لا ذنب لها إن كانت من القدم تحمل السرور والحبور والشتم والزور، تحمل نجاسة الأنفس ونتانة اللسان وفساد العقل ، فهي رسالة مقدسة وتلك وظيفتها ، أكمل لك القصة ، أغلق الرسالة ، راح على أيقونة رسالة جديدة ضغط وكتب"هذه الجمل إهانة أم هي دعوة للمغادرة " أرسل الرسالة ، لم تتعدى الدقائق حتى وجد نفسه خارج المنتدى وحسابه موقوفا والمقال محذوفا، مدير المنتدى وجد ردودا كثيرة وتجمهرا في المقال وهو ضد الاتفاق فذلك يهدد عرشه و يحرّر المغرمين ،الغيرة أكلت قلب المشرف العام لبعض الورود التي رميت على مقاله ، المشرف العام ضد التجمع بدون ترخيص، ولا مكان للديمقراطية التي تفتح باب التداول . لكن ما الذي جعله يتصرف بهذه الغرابة ويتخذ هذا القرار بسرعة ، راجع ما كتبه وما كتبه المتدخلون فوجد أنه قد أحدث في الحلقة المفرغة ثقبا...أدري أيها القارئ يا صديقي تريد معرفة ماذا كان في الرسالة، لا أحد يعرف غيري ولا مانع لي من البوح لكن ليس بكل ما تحتويه ، لكن أستسمحه في تسريب جملة أو جملتين قال له : "هل تعاني من مشكلة نفسية نساعدك في حلـّها ،أم لم يعجبك المكان هنا فكتبت لنا مرضا أصابتنا من خلاله الحكة .... " كلاما آخر أمتنع عن كشفه كان قد سمعه في الصغر و أدبته والدته حين تلفظ به داخل البيت.