هُوَ رَجُلٌ بَائِسٌ كَبَقِيَّةِ خَلْقِ الله غَيْرَ إِنَّهُ كَانَ بِلاَ أَمَلٍ ؛ لاَ يَنْتَظِرُ شَيْئًا لا َيُحِبُّ وَ لاَ يَكْرَهُ؛لاَ يَضْحَكُ وَ لاَ يَبْكِي لاَ يَعْنِيه مَا يَحْدُثُ وَ مَا لاَ يَحْدُث لَدَيْهِ مِنَ الْمُؤَهَّلاَتِ الْكَبِيرَةِ لِيُصْبِحَ لاَشَيْئًا
لَمْ يَكُنْ حَزِينًا لَيْسَ ثَمَّة سَبَبٌ وَاحِدٌ يَدْعُوهُ لِلْحُزْنِ غَيْرَ إِنَّهُ كَانَ وَحِيدًا ؛وَحِيدًا مِثْل صَحْرَاءَ يَعْوِي فِيهَا الْفَرَاغُ؛ لاَعَلاَقَةَ لَهُ بِأحدٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مَاالْذِي يَفْعَلُهُ بِأَيَّامِ عُمْرِهِ ؛يَقْضِي كَامِلَ يَوْمِهِ فِي التَّسَكُّعِ ؛ يُخْطِيءُ كَثِيرًا طَرِيقَه إِلَى عَمَلِهِ وَتَقُدُه خُطَاهُ إِلَى حَيْثُ لاَ يَدْرِي لِيَجِدُ نَفْسَه فِي أَحْيَانٍ كَثِيرَةٍ وَ سَطَ قَبْوِ حَانَةِ أَو ذَاهِبًا فِي الرِّيحِ أَوْ مُسْتَقِلاًّ سَيَّارَةَ أُجْرَةٍ إِلَى وِجْهَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ
قَالَتْ لَهُ ابْنَتُهُ مَرَّةً لِمَاذَا أَنْتَ هَكَذَا يَا أَبَتِي فَأجَابَهَا بِشَكْلٍ غَامِضٍ وَكَيْفَ يَجِبُ أَنْ أَكُونَ
وَفِي هَذَا كُلُّه كَانَ يَخْتَلِي بِنَفْسِه مَرَّاتٍ لِيَقْرَأ وَ يَبْحَثُ بَينَ الْكَلِمَاتِ عَن رِيَاحٍ تَاْخُذُهُ إِلَى الأَبْعَدِ الأَقْصَى
وَ صَادَفَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنْ قَرَأَ شَيْئًا لامْرَأةٍ مَا ؛لَمْ يَكُنْ نَثْرًا وَلَمْ يَكُنْ شِعْرًا كَانَ شَيْئًا آَخَرَ مُخْتَلِفًا ؛كَانَ جُنُونًا أَعَادَ قِرَاءَة مَا كَتَبَتْهُ هَذه المَرْأَةِ مَرَّاتٍ عَدِيدةٍ حَاوَلَ أَنْ يَنْسَى مَا قَرَأَه وَلَمْ يُفْلِحْ مَرَةً وَقَدْ خَرَجَ يَتْرُكُ خُطَاهُ تَهْذِي كَيْفَمَا تشَاءُ ؛ عَادَ بِسْرْعَةٍ وَكَتَبَ
’’شُكْرًا’’
ثُمَّ أَرْسَلَهَا إِلَى هَذه الْمَرْأَةِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ وَأَمَامَ دَهْشَتِهِ جَاءَهُ الرَدُّ مِنُهَا لَمْ يَكُنْ رِسَالَةً بَلْ كَانَ حَالَةً مِنْ حَالاَتِ التَجَلِّي والإِشْرَاقِ ؛شَيْءٌ مَا تَوَهَّجَ فِي دَوَاخِلِهِ وَإِذْ خَرَجَ يَجُوبُ الشَّوَارِعَ رَأَى مَا لَم يَرَه مِنْ قَبْلُ
رَأَى امْرَأةً جَمِيلَةً فَتَبِعَهَا حَيْثُ غَابَتْ عَنْ بَصَرِهِ
رَأَى أَحَدَ زُمَلاَئِهِ فِي الْعَمَلِ فَاسْتَدْعَاهُ لِتَنَاوُلِ فِنْجَانِ قَهْوَةٍ
رَأَى عَشِيقَيْنِ فَأَهْدَاهُمَا بَاقَةَ وَرْدٍ
رَأَى صَيَّادًا يَرْتُقُ شِبَاكَهُ فَانْحَنَى يَشُدُّ الْخُيُوطَ مَعَهُ
رَأَى عَجُوزًا يَعْبُرُ الطَرِيقَ فَهَبَّ يَاْخُذُ بِيَدِهِ
رَأَى صِبْيَةً يَلْعَبُونَ الدُّوامَةَ فانْخَرَطَ يَلْهُو مَعَهُمْ
وَ قَرَأَ لَهَا أَشْيَاْءَ أُخْرَى عَاوَدَ الْكٍتَابَةَ إِلَيْهَا وَكَتَبَتْ لَه أَيْضًا وامْتَدَّ بَيْنَهُمَا جِسْرٌ أَطْرَافُهُ الْكَلِمَاتُ ؛تَرْفَعُ عَرَصَاته الرُّؤَى وَتُقَوِّي أُسُسَهُ حَالاَتُ التَجَلِّي وَ الإِشْرَاقِ وَكَانَ مَمَرُّه الدَّهْشَةَ
إِلَى أَنْ جَاءَ يَومٌ وَتَخَاطَبَا عَبْرَ الْهَاتِفِ كَادَ يُجَنُّ بَلْ جُنَّ
جَاءَهُ صَوْتُهَا مَزِيجًا مِنْ مَاءٍ وَ بَرْقْ
هَمَّ بِالْفِرَارِ وَ قَدْ أَصَابَهُ جَزَعٌ مُبَاغِتٌ وَ فَكَّر َ مَا الْذِي يَفْعَلُهُ بِكُلِّ هَذَا الْفَرَحِ الطَّارِيءِ
هُوَ لَمْ يَرَهَا وَلاَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَرَاهَا أَوْ يَرَى مَن يُشْبِهُها فِيمَا يَدُبُّ مِنْ حَولِه مِنْ نِسَاء عَلَى اليَمِينِ وَعَلَى اليَسَارِ وَفِي الأَمَام وَمِنَ الْخَلْفِ وَمِنْ فَوقِ وَمِنْ تَحْتِ
اشْتَدَّ بِهِ اللَّهَاثُ وَ أَصَابَهُ ظَمَاٌ فَأَلْقَى بِنَفْسِهِ فِي أَوَّلِ حَانَةٍ يَ،ْشُدُ قَرَاراً
فَكَّرَ وَهْوَ يَمْلأُ كَأْسَهُ بِشِغَافِ قَلْبْهْ يَشْرِبُ وَ لاَيَرْتَوِي فَكَّر أَنْ يَكْتُبَ لَها أَنَّه سَيُؤْمِنُ بِهَا آَلِهَةً يَجْعَلُ لَهَا مَعْبَدًا وَإَّنَّهُ رَسُولُها يَدْعُو النَّاسَ إْلَى التَّسْبِيحِ بِاسْمِها غَيْرَ أًنَّه عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ
وَكَتَبَ:
يَكْفِي إِنَّكِ أَشْعَرْتِنِي فَجْأَةً بِجَمَالِ الْحَيَاةِ وَإِنَّ كُلَّ مَافَاتَ وَمَا سَيَأْتِي من العُمْرِ بَاطِلٌ أَنْتِ رَائِعَةٌ مِثْلَ الانْتِحَارِ
أَلْقَى بِمَا كَتَبَهُ إِلَيْهَا وَمَضَى يَدْخُلُ الْبَحْرَ وَالرِّيحُ تُرَدِّدُ آَخِرَ كَلِمَاتِه
أَرَاكِ الآَنَ أَجْمَلُ وَأَنا أَدْخُلُكِ بْكلِّ فَرَحِي