القصّة:
الموعد
إبراهيم الدرغوثي
رن الجرس فقام يفتح الباب .
أمه أوصته أن يقوم خفيفا كلما رن الجرس .
وجده واقفا أمامه يسد رحمة الرب .
قال : أمي خرجت منذ مدة .
- ألم تقل إلى أين هي ذاهبة ؟
رد باقتضاب : لا .
لا، جافة وكاسحة .
لا ، غاضبة ومستفزة .
لا ، قاطعة كحد السيف .
لا ، مهلكة ...
وهم بغلق الباب . لكن الرجل وضع رجله المدفونة داخل حذاء ضخم أمام وجهه وقال :
- هكذا إذن ... لقد كبرت بسرعة ... ونسيتني ... نسيت الحلوى و... هداياي الكثيرة .
وهم بالانصراف إلا أنه قذف قبل أن يغادر المكان :
- سأعود ليلا . قل لأمك أن لا تسهو عن الموعد .
عندما تناثرت النجوم فوق خد السماء ، عاد الرجل إلى البيت . لم يضغط على الجرس ، فقد كان الباب مواربا . دلف إلى الداخل وهو يلتفت يمنة ويسرة ، فرأى زوجته في غلالة نوم شفافة . زوجته التي أخبرها أن واجبا دعاه الليلة للمبيت خارج المنزل .
كانت جالسة على الأريكة الكبيرة المقابلة لجهاز التلفاز . وكان ابن صاحبة البيت واقفا وراءها و يداه تغرقان في صدرها ، وتجنيان من ثمار الجسد ...
قراءة انطباعية بسيطة:
حين أرى قصة طويلة، أشيح نظري، وأتركها لمن لديه قدرة على القراءة.......
هنا توقّفت، وقرأت قصةً استمتعت بقراءتها........ هي من النوع الذي أحبّ وأقدر على التفاعل معها...../ ربما العيبُ فيّ............؟
هي قصة الحالة الجميلة. أقول الحالةً مجازفةً، لأنها تعتمدُ غير المتوقّع. تعتمدُ ما يمكن له أن يبرز الشخوص من الداخل من دون أن يُقالَ فيها شيء. إنما من خلال سيرورة الحدث وصيرورته........ لهذا أجازف/ ربما بعيداً عن قواعد التصنيف المتبعة، وأعتبرها من قصص الحالة..... ولقد أجدتَ يا درغوثي بلا أيّة مواربةٍ أو مجاملة..........
أنهضَ النصَّ ما ازدحم فيه من تكثيف وبعدٍ عن المباشرة. لأنّ المباشرة في القصّ لا تعني الجمل ببساطة تركيبها ودلالاتها. إنما النصّ الناهض يكون بالانزياحات الدلالية. والإحالات التي تدلي إليها السيرورة رائحةً إلى صيرورةٍ لا يحكمها المنطقُ كثيراً، ولا يتوقعها القارئ..... وهذه من مقاييس الجودة/ على الأقلّ بالنسبة إليّ، كقارئٍ أجتهد بحسب ما تسعفني ذائقتي التي قد تخونني أحياناً............!.
قامت على كشفِ واحدةٍ من حالات السقوط المترادف. أو واحدة من حالات التبادلية للمتساويين. وربما هي النتيجة التي تنتج عن النتيجة.................؟....؟
جاءَنا النصُّ يغصّ بجماليةٍ اعتمد فيها الكاتب الجميل على التكثيف واللامباشرة. واعتمد الدلالة والإشارة والانزياح. وهي من مولّداتِ الخيال الدَّرِب. واللغة السهلة التي تشي بمقدرةٍ عالية وخبرة لمفاعيل اللغة وأساليب توريدها........
قصة اكتملت عناصرها بحبكة متماسكةٍ تواءمت مع سيرورة الأحداث وصولاً إلى الصيرورة/ القفلة، الجميلة التي أعطت القدر الأكبر من الزخم الأدبي للنصّ.........
لك خالص تحيتي وتقديري أخي إبراهيم.........