الريح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الريح

كتابات متمردة بجميع الالوان
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 ملاك الخبز

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
خالد ساحلي




عدد الرسائل : 19
تاريخ التسجيل : 25/02/2007

ملاك الخبز Empty
مُساهمةموضوع: ملاك الخبز   ملاك الخبز Icon_minitimeالأحد فبراير 25, 2007 3:16 pm

قرعت أبواب الشقق ، فُتحت لها الأبواب و أغلقت ، رسمت على محياها ابتسامة برغم الحزن المستوطن على شفتيها ، حزن غائر عميق لا ينجلي ، مختبئ بين شقوق أيامها ، تجاعيد الشيخوخة نبت فوقها جرح قديم متقيح ، جمعت يديها و شابكت أصابعها حين هامت بالسؤال ، منعها حياءها من التسول ، مد اليد ليس كالتقاط الرغيف ، خجلها حال بينها و بين طـــلب الصدقة و الشفقة ، حليب كبرياء شربته من صغرها ، أكياس الكتــــــانو البلاستيك لا تفارقها ، جمعت و طوت ، تأبطت جوعا ، ملاية سوداء ، لحاف ، شال صوفي لا يبرح كتفيها ، قطعة من عذاب تضاف للـجســد الهش، عيناها غائصتين ممتلئتين أسرارا ووجعا ، عميقتين كقاع بحر ، موغلتين في القدم ، ترفضان الإفصاح ، عينان مالكتان قصصا و حكايات ،لو يباح المكنون وتمثـّـل المشاهدة لتوقف العالم هنيهة لسماع نغم الشجن الحزين، لو قدر للنمل و حكى بلغة البشر لقال: هي آية يأخذ منها درس الحياة... شقاء، لا تكل، حفـّت بالعمارات و الأبنية و الأقبية، بالأحيـــاءو الأزقة ، بحثت في القمامة عن الرغيف ، حاويات الأوساخ تعرفها عنوانها هناك ، أخرجت منه خبز القمح و الشعير، لم تسأل يوما نفسها : لو كانت ترمي الخبز و غيرها يجمعه ، تبادل الأدوار ، عرفت العالم لم يخلق لغيرها و لا هي طرفا مسلوخ عنه ، تيقنت بسذاجتها أن العالم بها يكون في جمعها بقايا الخبز و الرغيف ففيه حياة دجاجاتها و إوزاتها ، كلبها الذي يحرسها هو أمينها و أنيسها ، ليت الخلق كما الكلاب تهدي مواطنها ، باعت ما تبقى من الخبز لتلملم مطالب ملبسها و مغسلها ، كابدت عناء المسافات ، لا تحاصرها المسافة و لا تطوّقها ، رأفة بالسن ، غالبت دق الأبواب ، نُهرت، طُردت ، شٌتمت ، انصرفت في هدوء و سكينة ، لها صمت المُوكلين أمرهم لله،هداها الله السبيل ، تصبر على الأذية ، لا تأبه ، عرفت حكمة سؤالها عن خبز يرمى ، عن جوع في بلاد القمح ، تنهر لكنها تملك قلبا يسع الناهرين و الشاتمين و العابثين بالإحساس ، أدركت أنها تسبح في بحر غير مرئي ، تلتقي بفضاء بصيرتها مع المجهول ليلتـحم الدعـاء بالشـكوى ، قـنــعـت بمصيرها ، قدر خلقه الله ، تكون فيه جامعة الرغيف و الخـبز المرمـى ، خشيت صعود السلالم فدق الأبواب يجلب خدش الضمير ، توقعت دائما فاتح الباب المطل ، إن كان بهي طلعة أو مثله مثل السوء ، للشقق أسرارها كما البيوت ، أدركت حقيقتها مد امتهنت الحرفة ، للبيوت حاكياها ، شطحاتها ، ألغامها ، خياناتها وراء الساعات الهاربة من أصحابها ، مواعيد غرام ، فجور وميوعة ، شقق للقاءات حميمية ، يسكنها أيضا عبّاد وزهاد ، لصوص و صعاليك ، شقق تشبه الوطن ، فسيفساء ، تزاوج لألوان القسوة و الرحمة لقلب ابن آدم ، تحرّجت أن تفسد خلوة الساكنين ، أن تكسر زجاج صمت رهيب ، خافت فساد فرجة و استمتاع لذة مبهجة بين يدي أصحابها ، صوتها جرس جهوري ، جواز مرور ، تعويذة تطرد شبح التأويل عن كينونة ماهـيتها ، بـندائها لن تكون إلا هـي : العجوز اللاقطة للرغيف والكسيرة اليابسة ، رميت لها أكياس بلاستيكية من الشرفات ، ألفت هي وجوها ، وغابت عنها وجوه ، سارقي المواعيد تعرفهم ، تتذكر كلما طرقت بابا أو دخلت عمارة كيف فر بعضها من كلها ، تفرقت أشجانها ، تشتت عواطفها ، أنكسر خاطرها ، حملت على كتفيها حكاية ، نعـش حياتـها ، أثقلتها الغصة التي أنشفت الريق من حلقومها ، أين صخرة زيف منها ، تذكرت من باعت لأجله شبابها ، نغـّص الكلاب عيشها ، من طلبوا جني ثمار جسدها ، لكنها دفعت العمر حطبا لنار التضحية في كبرياء ، لم يضع معروفها عند الله ، هل يستحي الوطن من ذكر اسمها ؟ لم تكن لتضحي أكثر من أن تقدم زهرة العمر قربانا لوطن حرمها حق الحياة و العيش الكريم ، لم ينتبه لها أحد ، يوم سألت عنها البيوت لأن الخبز لم يعد يطلبه أحد ، كانت قد دفنت بقرب قبر ابنها ، صار الأطفال يسألون أمهاتهم عنها : لما لم تعد عجوز الخبز تأتي ، خجل الوطن كما الناس أن يحكوا للأبناء أنها أم الشهيد .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابراهيم درغوثي




عدد الرسائل : 46
تاريخ التسجيل : 02/02/2007

ملاك الخبز Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملاك الخبز   ملاك الخبز Icon_minitimeالجمعة مارس 23, 2007 8:19 pm

خالد ساحلي كتب:
قرعت أبواب الشقق ، فُتحت لها الأبواب و أغلقت ، رسمت على محياها ابتسامة برغم الحزن المستوطن على شفتيها ، حزن غائر عميق لا ينجلي ، مختبئ بين شقوق أيامها ، تجاعيد الشيخوخة نبت فوقها جرح قديم متقيح ، جمعت يديها و شابكت أصابعها حين هامت بالسؤال ، منعها حياءها من التسول ، مد اليد ليس كالتقاط الرغيف ، خجلها حال بينها و بين طـــلب الصدقة و الشفقة ، حليب كبرياء شربته من صغرها ، أكياس الكتــــــانو البلاستيك لا تفارقها ، جمعت و طوت ، تأبطت جوعا ، ملاية سوداء ، لحاف ، شال صوفي لا يبرح كتفيها ، قطعة من عذاب تضاف للـجســد الهش، عيناها غائصتين ممتلئتين أسرارا ووجعا ، عميقتين كقاع بحر ، موغلتين في القدم ، ترفضان الإفصاح ، عينان مالكتان قصصا و حكايات ،لو يباح المكنون وتمثـّـل المشاهدة لتوقف العالم هنيهة لسماع نغم الشجن الحزين، لو قدر للنمل و حكى بلغة البشر لقال: هي آية يأخذ منها درس الحياة... شقاء، لا تكل، حفـّت بالعمارات و الأبنية و الأقبية، بالأحيـــاءو الأزقة ، بحثت في القمامة عن الرغيف ، حاويات الأوساخ تعرفها عنوانها هناك ، أخرجت منه خبز القمح و الشعير، لم تسأل يوما نفسها : لو كانت ترمي الخبز و غيرها يجمعه ، تبادل الأدوار ، عرفت العالم لم يخلق لغيرها و لا هي طرفا مسلوخ عنه ، تيقنت بسذاجتها أن العالم بها يكون في جمعها بقايا الخبز و الرغيف ففيه حياة دجاجاتها و إوزاتها ، كلبها الذي يحرسها هو أمينها و أنيسها ، ليت الخلق كما الكلاب تهدي مواطنها ، باعت ما تبقى من الخبز لتلملم مطالب ملبسها و مغسلها ، كابدت عناء المسافات ، لا تحاصرها المسافة و لا تطوّقها ، رأفة بالسن ، غالبت دق الأبواب ، نُهرت، طُردت ، شٌتمت ، انصرفت في هدوء و سكينة ، لها صمت المُوكلين أمرهم لله،هداها الله السبيل ، تصبر على الأذية ، لا تأبه ، عرفت حكمة سؤالها عن خبز يرمى ، عن جوع في بلاد القمح ، تنهر لكنها تملك قلبا يسع الناهرين و الشاتمين و العابثين بالإحساس ، أدركت أنها تسبح في بحر غير مرئي ، تلتقي بفضاء بصيرتها مع المجهول ليلتـحم الدعـاء بالشـكوى ، قـنــعـت بمصيرها ، قدر خلقه الله ، تكون فيه جامعة الرغيف و الخـبز المرمـى ، خشيت صعود السلالم فدق الأبواب يجلب خدش الضمير ، توقعت دائما فاتح الباب المطل ، إن كان بهي طلعة أو مثله مثل السوء ، للشقق أسرارها كما البيوت ، أدركت حقيقتها مد امتهنت الحرفة ، للبيوت حاكياها ، شطحاتها ، ألغامها ، خياناتها وراء الساعات الهاربة من أصحابها ، مواعيد غرام ، فجور وميوعة ، شقق للقاءات حميمية ، يسكنها أيضا عبّاد وزهاد ، لصوص و صعاليك ، شقق تشبه الوطن ، فسيفساء ، تزاوج لألوان القسوة و الرحمة لقلب ابن آدم ، تحرّجت أن تفسد خلوة الساكنين ، أن تكسر زجاج صمت رهيب ، خافت فساد فرجة و استمتاع لذة مبهجة بين يدي أصحابها ، صوتها جرس جهوري ، جواز مرور ، تعويذة تطرد شبح التأويل عن كينونة ماهـيتها ، بـندائها لن تكون إلا هـي : العجوز اللاقطة للرغيف والكسيرة اليابسة ، رميت لها أكياس بلاستيكية من الشرفات ، ألفت هي وجوها ، وغابت عنها وجوه ، سارقي المواعيد تعرفهم ، تتذكر كلما طرقت بابا أو دخلت عمارة كيف فر بعضها من كلها ، تفرقت أشجانها ، تشتت عواطفها ، أنكسر خاطرها ، حملت على كتفيها حكاية ، نعـش حياتـها ، أثقلتها الغصة التي أنشفت الريق من حلقومها ، أين صخرة زيف منها ، تذكرت من باعت لأجله شبابها ، نغـّص الكلاب عيشها ، من طلبوا جني ثمار جسدها ، لكنها دفعت العمر حطبا لنار التضحية في كبرياء ، لم يضع معروفها عند الله ، هل يستحي الوطن من ذكر اسمها ؟ لم تكن لتضحي أكثر من أن تقدم زهرة العمر قربانا لوطن حرمها حق الحياة و العيش الكريم ، لم ينتبه لها أحد ، يوم سألت عنها البيوت لأن الخبز لم يعد يطلبه أحد ، كانت قد دفنت بقرب قبر ابنها ، صار الأطفال يسألون أمهاتهم عنها : لما لم تعد عجوز الخبز تأتي ، خجل الوطن كما الناس أن يحكوا للأبناء أنها أم الشهيد .


نعم يا أخي الغالي : خالد الساحلي
لقد ذكرني هذا النص بنص عظيم قرأته وأنا غض الشباب فكدت أقرأه في ميكروفون الجامع قبل الصلاة حتى يسمعه القاصي والداني ولكني تهيبت في آخر لحظة ولم أقترف تلك الرغبة .
هي قصة لعم الطاهر وطار : " الشهداء يعودون هذا الأسبوع ".
ماذا سيقول الشهداء لهذه الأم لو جاءوا ليحاسبوا من استأثر بثمار دمهم ؟
ماذا سيقولون عنا نحن من شاهد دون أن يتكلم أي صار شاهد زور عن ثورة سرقت ولم ينل من يستحق طعم حلاوتها ؟
كثيرة هي الأسئلة التي يثيرها نصك والتي لن تجد لها جوابا لأن الخوف ملأ القلوب وسكن الأعين الجبانة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ملاك الخبز
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الريح :: توهج السرد :: لا بداية ولا نهاية-
انتقل الى: