نفق الطريق
حين أزهقه الرحيل
و امتطى الرياح الشاردة
كان منسيا على الأعتاب
مستدركا أمنيات الوصول
يوزع امتدادات المسافة على الخطوات المستعجلة
مستعبدا من الأرواح فجوتها
و هي تهفو في ذهول
كلما يستمر المسافر طافحا
يجر ذاكرة مقفعة
أرعبها اختبال الأماني
مستلهما هذيانه المتوتر
ها هنا كان السبيل إليك مسترسلا
يستجدي أحضان الرصيف المسير...
ها هنا
أينعت جثة الطريق المشوهة
ترتجف
لم ينقطع عنها اللهاث
ولا أعتقتها أسطورة الوصول
سكرة حبلى
أجهضت مئة ألف خطوة أو يزيد
ثم استدارت تلعق الجرح المكور
قدر الوجع
أدركتني الفجيعة ضاحكة
و استفحلت
صحوة الرجوع
و هي تباغتني
بينما كنت أعانق جثة الطريق الثمل
استلهم السير حتى آخر الحفاء
تتقاذف الكواسر أسراب المواجع الراشحة مني
لم أكن أدري
هو ذاك الرحيل الثمل ...
يلاحق شعاعا ضل طريقه نحو الصباح
فاستوطنته مساحات معتمة ...
في لوعة مستعجلة
جاء المساء
لم أكن أدري
أن الطريق علقة
أن المسافة أفعوان
أن البنايات ليل مستمر
أن الوصول سفر
نَفَسُ الطريقِ ممطر
و الأشجار تركض في بلاهة مفتعلة
لم أكن أدري
حين أوقفت المسافة و اعتليت الزمن
حين استحال الضوء شرفة للوصول
و ارتدى الأفق وجهك المختفي
يصرخ فيه الغياب مفجوعا موجوعا
يستنسخ من لون السماء بلبلة للفراغ
لم أكن أدري
و لم يستعد روعي كل الألق
فالبقاء هنا ممتقع
و الهلع محدق الارتجاف
لم انتبه
كومة من القلب تركض خلفي
وشيء من الروح يعتلي مسافة
تغالب شهوات مرتجلة
لم يعد لي شيء هنا
مات الزمن
و انتحرت نبوءة المكان
حين تلت روائح الأرصفة الساجدة
شيئا من تراتيل الوصول
على رفاة الطريق الثمل
و هو يقترف أبدية الرجوع